Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

salahboussrif_857669447.jpg

http://www.hespress.com/orbites/102811.html

اعتبر الشاعر صلاح بوسريف أن "فتاوى إهدار دم إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، ودم مفكرين ومثقفين مغاربة، من خيرة فُضلاء هذه الأمة، هي دعوة لِبَثِّ الجَهْل والعَمَاء، ونشر الضغينة بين المغاربة، الذين لا يعرفون الكراهية والحِقْد والتطرُّف".

ولفت بوسريف، في مقال خص به هسبريس، إلى الأدوار الهامة التي لعبها اليسار المغربي في العديد من المحطات التاريخية للبلاد، وما قَدَّمَه من تضحياتٍ كبيرة وجسيمة، فضلا عن الدور الذي لعبه الاتحاد الاشتراكي، خاصة، في وضع العربة وراء الحِصان، دون غض الطرف عن بعض الكبوات التي طالته".

وفيما يلي نص مقال بوسريف كما توصلت به هسبريس:

القلمُ، لا السيف

"ويُريد الَّذِين يَتَّبِعُون الشَّهَوات أنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيما" النساء 27

السيد إدريس لشكر، المحترم.

تحية التقدير والاعتزاز.

مهما يكن حَجْم الاختلافات التي يمكن أن تَحْدُثَ في رؤيتنا للأشياء، وفي موقفنا واختياراتنا، فإنَّ انتماءَنا لليسار، وللفكر الحداثي التقدُّمي، بكل أطيافه، يبقى هو الخيار الوحيد الذي يجمعُنا. ففي كثير مِمَّا يجمعُ، كثير مما يُفَرِّقُ، وهذا هو جوهَر ما تَعَلَّمْناه، في ما اعتبرناه اختلافاً، وطالما ناديْنا بهذه الثقافة، أعني ثقافة الاختلاف، والإنصات، والحوار بعيداً عن كل التَّشَنُّجات التي يمكنها أن تخرجُ بنا عن الفَهْم النبيل لمعنى الحداثة، ولِما هُو ثاوٍ فيها من قِيَم، لعلَّ أرقاها وأسْماها، هذا السلوك الديمقراطي الذي لا نزال نعتبرُه ناقصاً في حياتنا، ولم نَجْنِ بَعد ثماره، أو لم تَيْنَع، بالأحرى، لنقطف ثمراتها، ونأكُل من عسلها. رغم كل هذا الذي تعرفه بلادُنا من انتقالات، في أكثر من مجال، وما تحقَّق من انفراجات نسبية، على أية حال، في علاقة السلطة بالمواطنين..

التَّعَثُّرات ما تزال كثيرة، وما يراه الناس من حرية، ومن جُرْأة في الكلام، وفي التعبير عن الرأي، هو حصيلة نضالات طويلة، مَنْ يعرف التاريخ المعاصر لهذا الوطن، لن يخطئ الدور الرَّائِد الذي لعبه اليسار، وما قَدَّمَه من تضحياتٍ كبيرة وجسيمة، ستعترف الدولة بمسؤوليتها عنها، والدور الذي لعبه الاتحاد، بشكل خاص، في وضع العربة وراء الحِصان، دون أن نَغُضَّ الطرف، طبعاً، عن الكَبَوات، التي أعْتَبِرُها شخصياً بدأتْ مع القبول بـ «التناوُب»، الذي كان لحظةً حاسِمَةً في ما آلَ إليه الوضع اليوم، سواء في وصول من وصلوا للسلطة، بفكرِهم الماضوي التقليدي، الذي لا يَمُتُّ للممارسة السياسية، ولا للفكر السياسي في شيء، أو ما عَرَفَه الاتحاد نفسُه من اختناقات، أفضتْ لهذا الشتات الذي جَرَّ الاتحاد لِما يعيشه من ظروف تحتاج لكثير من العمل لإعادة بنائه. ولعلَّ النقد الذاتي، قبل النقد، هو ما يمكنه أن يُعيد بعض الدم لهذا الجسم الذي أصابه كثير من التَّعَب.

ما تعلَّمْناه في اليسار، الذي هو مدرسة في السياسة، وفي النضال، هو ألاَّ نكون مثل الأعمى الذي تقودُه عصاه، أو العربة التي تَجُرُّ صاحبَها. فهذا النوع من التبعية العمياء، انتهى وقتُه، وأصبح المناضِل اليوم، مُنافِحاً حقيقياً عن أفكاره، ومدافعاً عن الصَّواب، في مقابل التَّمادي في الخطأ، وهو ما لم تَقْتَدِ به هذه السلفيات التي يقودُها العَمَى، بدل أن تقود نفسَها نحو النور.

وهذا، السيد إدريس لشكر، ما يجعلني اليوم، رغم بُعْد المسافة، بيننا، وافتراق السُّبُل، أعتبر هذه الفتاوى الداعية لإهدار دمك، ودم مفكرين ومثقفين مغاربة، ممن هُم من خيرة فُضلاء هذه الأمة، هي دعوة لِبَثِّ الجَهْل والعَمَاء، ونشر الضغينة بين المغاربة، الذين كانوا عبر تاريخهم الطويل، لا يعرفون الكراهية والحِقْد والتطرُّف، أو الاستهانة بأرواح الناس، بهذا النوع من الاستهتار الذي لا هو دِينٌ، ولا هو داخل في أمور الدُّنيا. فإهدار دَمِ المسلم، هو إهدار لِدَم كل المسلمين، والمُسْلِم حين يدعو للنظر في بعض ما جاء في الدين، فهو لا يدعو للكُفْر، أو للِتَّحَلُّل من الدين واجتثاثه.

هذا وَهْم، وعَطَب في النظر، أعني في بصيرة من يقرؤون الأمور بعيون عَمّ فيها السَّواد واسْتَفْحَل. فالتَّدَبُّر والتَّأَنِي، ومُقارعة الحُجَّة بالحُجَّة، والرأي بالرأي، هو الطريق الوحيد للدفاع عن الدِّين، وعن «شَرْع الله»، وفق ما يدَّعُون، وهذا لا يمكن أن يقوم به سوى العُلماء، ممن اسْتَفْرغُوا عقولهم للعلم بأمور الدِّين، وليس لاستعمال الدِّين لأغراض الدُّنيا، والمُتاجرة بكتاب الله، وسنة رسوله.

أليس الدِّين اليوم تجارةً وسوقاً، يستعملُها هؤلاء للاستيلاء على عقول الناس، وعلى وجدانهم، وتحريف فهمهم البسيط لمعنى الإيمان، بإغراقهم في أمور سخيفة، لا صلةَ لَهُم بها، وهذا ما كان القرآن نفسه، نبَّه إليه، ونهى عنه، ودعا «بالتي هي أحسن»، متى ما حَدَث خلافٌ في أمر من الأمور، مهما تكن طبيعتُها.

من يُكَفِّر اليسار، أو الفكر الحداثي، أو يفهم اليسار والحداثة والتنوير، باعتبارها كفراً وزندقةً، فهذا شخص لا علاقة له بأبسط أمور اللغة، ناهيك عن المفاهيم التي هي في حاجة لمعرفة علمية خاصة، مثلما يحدث في الطب، والفيزياء، والرياضيات، وحتى في علم الفلك. أن نكون جاهلين باللغة، بما تعتبرونه لغة القرآن، وتكتبون بياناتكم، وفتاويكم، بلغة لا هي عربية، ولا هي عامية، بل لغة مبتذَلَة، سطحية، عمياء، لا ماءَ ولا هَواء فيها، فهذا، لعمري، هو الجهل بعينه. فالجاهل باللغة، جاهل بدينها وبمعانيها وبفكرها وبمضامينها، وبما تبنيه من أفكار، وهذا هو الفرق بين اليساريين، ما دُمْتُم ترون الأمور بهذا التصنيف، وبين السلفيين، ممن حَوَّلُوا سلفية الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا، وعلال الفاسي، ومحمد بلعربي العلوي، إلى سلفية قاتلة، بعد أن كانت سلفية منفتحة، متنورة، رحيمة، لا تتنازل عن دينها، لكنها لا تقبل به ديناً صَنماً، أو ديناً لا يُساير تحوُّلات العصور والأزمنة.

عبر التاريخ خرج هؤلاء، واستعملوا مثل هذه الخطابات، سرقوا، بدعوى الدِّين، وقتلوا بدعوى الدين، وكفَّروا بدعوى الدِّين، وأفْسَدُوا بدعوى الدِّين، دون أن يعرفوا أنَّ الدِّين بريء منهم، لا تربطهم به صلة، لأنه، في ما جاء به، دين تسامُح وتعايُش وتراحُم وتآخٍ، ودين حوار، وحُجَّة، فمن يدعو لتجميده، كمن يدعو لتجديده، كلاهُما تُعْوِزُه الحَجَّة، والتَّفَرُّغ للعلم والمعرفة بهذا الدِّين، لا بحصره في زمن دون زمن، وفي مكان دون مكان، بل بفتحه على السماء، بما هي أفق للانشراح، لا لاستباحة فكر المُخْتَلِف، الذي استعمل العقل، وسعَى للاجتهاد، واتهامه بما لا يرتضيه لا الدين، ولا من حَملوا رسالة هذا الدين، ممن آمنوا بعقولهم، قبل قلوبهم.

لنخرج من هذا النَّفَق المظلم، ومن هذه الجُحور التي وضَعْنا فيها تاريخنا وثقافتنا وحضارتنا، التي لا نُقَدِّر ما فيها من كنوز، وننظر لِما يعترينا من أعطاب، وما نحتاجُه في البناء والتشييد، وترميم الشُّروخ والتَّصَدُّعات التي تأكُلُنا، ولعل أهم ما نحتاجُه في هذا البناء، وفي هذا التشييد، هو الإنسان، وأعني الإنسان العاقل، المُفَكِّر، والمسؤول عن أفعاله وأقواله، المُتسامِح، المُنْصِت لِخُصومه قبل أصدقائه، الذي يُساعِد في البناء، وليس من يهدم، والذي يُقَدِّر ثمن الحياة، لا من يبخس حياة الناس، ويعتبرها حُطاماً. هذا الإنسان الذي خاطبه القرآن بقوله «لقد كُنْتَ في غَفْلَة من هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطَاءَك فَبَصَرُك اليومَ حَديدٌ»[سورة ق‪.‬22]. فنحن في حاجة لِحَدَّة البصر، أي للبصيرة، لا لمن عَمِيَتْ قُلُوبُهم التي في جُنُبِهِم، وعَمَيت أبصارُهم، وتاهوا في الظلام، الذي اعتبره القرآن نقيض النور. أو بما جاء في سورة الكهف [104] «الَّذِين ظَلَّ سَعْيُهُم في الحياة الدُّنيا وَهُم يَحْسبون أنَّهُم يُحْسِنون صُنعاً».

إنني، وبصفتي إنساناً، ومُواطناً لا يُؤْذي أحداً، أو يَتَّهِم غيره بالزندقة والفُجور، أو يدعو لقتل النفس التي حرَّمَها الله، ولو بالحق، أعتقد أنني أُعْمِل العقل في فهم ما يجري، مهما تكون كبواتي، فأنا أرفضُ أن يقتل الإنسانُ الإنسانَ، وأن يدَّعِي إنسان أن علم الغَيْب عنده، وأنه هو من يملك مفاتيح الجنة، أو مفاتيح النار، وأرفض أن يصبح المغرب وطناً للإجرام، ولتكفير الناس، أو غابةً تسود فيها الفوضى، وكل فيها يدَّعِي أنه الوصي على كتاب الله وسنة رسوله، وأنَّ الدعوة لمراجعة تعدد الزوجات، والزواج من القاصرات، ومراجعة الإرث، هي دعوى إلحاد وزندقة ومُروق، فمن يعرف منكم، أيها السادة، تاريخ النصوص الدينية، والسياقات التي وردت فيها، والدوافع القائمة وراءَها، سيدرك أنَّ المسألة ليست بهذا التهوين أو التهويل الذي تدعون له، بل إنَّ ما يُثار يفرض اجتماع علماء الأمة، ومفكريها، من كل الاختصاصات وحقول المعرفة للتناظُر، وتدبُّر الأمر، دون تَزَمُّت، أو تحجُّر، حتى لا تضيع القارب في مَهَبِّ المَوْج، ونصير جميعاً، مَحْض جُفاء، في زمن لا يسمح بالبقاء في مُربَّعات الأمور الصغيرة، التي لا طائلَ من ورائها.

فالعالم في صيرورة دائبة، لا يعرف التَّوَقُّف ولا الانتظار، في ما نحن نعمل على العودة بعقارب الساعة إلى ما قبل زمننا هذا، وكأنَّ الزمن هناك وقف وانتهى، ولم يَعُد يقبل الإضافةَ، عِلْماً أننا اليوم، مهما ندَّعِي من خُرافات وأوهام، فنحن عالة على العِلم والحداثة والتقدم، وهذا ما تكشف عنه مثل هذه السلوكات التي تعتدي على الدين بتحويله لآلَة للقتل، في ما هو مصدر حياة وطمأنينة بامتياز.

Tag(s) : #Actualités
Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :