سؤال: عرفت الدورة الأخيرة للمجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي نقاشات كان فيها إدريس لشكر محور الانتقادات؟ لماذا برأيكم هذه "الهجمة"؟ وماذا عن تدبير الاختلافات؟ وهل يمكن الحديث عن أرضية مشتركة بين أطياف الحزب، وبالتالي ماذا عن مستقبله؟
جواب: إن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي القول في البداية أن المجلس الوطني، الذي هو برلمان حزبنا، قد عاش خلال الدورة الأخيرة للمجلس الموزعة إلى شطرين، ما عاشته مجالس وطنية سابقة، والتي كان النقاش في بعضها أقوى وأكثر حدة من هذا النقاش. لقد عشنا ذلك في مرحلة المرحوم عبد الرحيم بوعبيد حيث كنت آنذاك عضوا بالمجلس الوطني، وعشنا أيضا مثل هذه المحطة في عهد السيد عبد الرحمن اليوسفي، بما في ذلك الانخراط في مرحلة التناوب والتحضير لها، وما تطلبه ذلك من مواقف كان الاختلاف حولها بينا. وحتى الحديث الذي يجري اليوم مثلا حول التحالفات، عرف الحزب بشأنه نقاشا مماثلا سنة 2002، حينما كان الحزب موزعا بين انتمائه للأغلبية وانتمائه للكتلة الديمقراطية. وفي هذا السياق بالذات كانت للكاتب الأول وقتها السيد عبد الرحمن اليوسفي لقاءات مع أحزاب من خارج هذه الانتماءات، فتم تأويل هذه اللقاءات، والتساؤل بصددها هل هي تحالفات جديدة خارج سياق تحالفات الاتحاد الاشتراكي. ما أشبه الأمس باليوم.
ومما لا شك فيه أن االسمة الرئيسية لوضعية السياسية في البلاد اليوم، هي الدينامية الإصلاحية الكبيرة التي يقودها أساسا جلالة الملك، وأن هذه الدينامية الإصلاحية تعرف تفاوتات على مستوى فهمها وتفعيلها، سواء بالانخراط التام والفاعل فيها، أو الانخراط النسبي؛ وكلاهما ناتج عن تصور معين للحكامة. فمؤسسات الدولة بأكملها مدعوة إلى الانخراط في هذه الدينامية، كل من زاوية اهتمامه. فعلى المستوى الحكومي هناك متابعة كاملة بناء على السلطة التنفيذية التي تمتلكها، والبرلمان بدوره مدعو للانخراط في هذه الدينامية الإصلاحية التي يدعو لها جلالة الملك والتي يشير بخصوصها، في كل خطاب افتتاحي للدورة الأولى من كل سنة تشريعية إلى ضرورة الانخراط فيها. كما أن هذا الانخراط يهم الجماعات المحلية، والمجتمع المدني، وحتى الأحزاب السياسية بغية أن تصبح الحياة الحزبية حياة حقيقية وقائمة على عمل سياسي نظيف، ويصبح للانتماء الحزبي علاقة بالقيم النبيلة للتطوع وللعطاء وللاجتهاد وليس للارتقاء والبحث عن أسهل الطرق للترقي الاجتماعي والسياسي.
ولذلك يمكن لي أن أقول إن هذه السمات كان لا بد أن تنعكس على أشغال المجلس الوطني الأخير للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حيث كان النقاش هادئا وجديا ومسؤولا، مع بعض الاستثناءات التي وجدت صدى لها في بعض المنابر الإعلامية، إذ أنه من أصل حوالي 85 تدخلا، فإن 70 تدخلا لم يكن لأصحابها حظ لدى إعلام الإثارة. ويجب أن نستحضر هنا أن المسطرة المتبعة لترتيب التدخلات لا تساعد على تنظيم أشغال المجلس الوطني بشكل جيد. فقد جرت العادة على أن من تمكن من الوصول إلى منصة الرئاسة يفرض اسمه ضمن أوائل المتدخلين أو يضع قائمة لعشرة أسماء متتالية، وبالتالي يسيطر على مداولات المجلس من خلال توجيه إلى مواضيع غير مدرجة بالضرورة في جدول الأعمال.
لقد حان الوقت للبحث عن طريقة بديلة، لأن جميع أعضاء المجلس الوطني متساوون فيما بينهم من حيث الحقوق. فقد استمعوا إلى عرض المكتب السياسي ولديهم نفس الرغبة في مناقشة هذا العرض، لذا، يجب التعامل معهم بشكل يحقق هذه المساواة من خلال وضع طلبات التدخل كلها في سلة واحدة لاعتماد ترتيب قائم على نتائج قرعة علنية وديمقراطية لكي لا يكون هناك تأثير أو توجيه للنقاش. فأطر ومناضلي الحزب بصفة عامة، لديهم الأخلاق اللازمة والرغبة في تطوير أداء الحزب، وليس لديهم خلفية الصراع الشخصي مع آخرين. كما أن من يمتلك وجهة نظر أو تصور مخالف لا يحرص على أن يأخذ الكلمة مباشرة بعد عرض المكتب السياسي لأهداف معينة. لذلك أريد أن أؤكد أن الأمر الطبيعي هو أن توجه الانتقادات إلى القيادة، على غرار الانتقادات التي كانت توجه للمرحوم سي عبد الرحيم بوعبيد، وللسيد عبد الرحمن اليوسفي، وسي محمد اليازغي، وكذا إلى المكاتب السياسية السابقة كاملة، كما توجه الانتقادات اليوم إلى المكتب السياسي، ولا أعتقد أن من اختار العمل السياسي والحزبي داخل الاتحاد الاشتراكي لا يقبل المساءلة والانتقاد، وإلا سوف نتساءل عن الخلفية التي تحركه للانخراط في العمل السياسي ككل. ولذلك أنا أعتبر هاته الانتقادات دليل على صحة الجسم الاتحادي. لكن عندما تتحول هاته الانتقادات إلى فزاعات لإرهاب وقمع المناضلين، وقتل كل المبادرات هنا أختلف.
سؤال: هل يمكنكم تنوير الرأي العام بنماذج من هذه السلوكات، ومن الخلفيات التي تحرك بعض المتدخلين في أشغال المجلس الوطني الأخير؟
سأوضح لكم الأمر من خلال الأمثلة التالية: لا يمكن لي أن أطعن في كل نتائج اجتماع قطاع معين لكونها ليست في صالحي، فالحزب مؤسسة، له هياكله ونظامه الأساسي وقانونه الداخلي الذي يضمن لكل شخص حق الطعن أمام لجنة التحكيم، وبالتالي لا يجب أن أُسقط حكما نهائيا فقط لأنه لم يتم انتخابي. كذلك، لا يمكن لإطار نقابي مستقل عن الحزب، يجتمع في مؤتمر، وينتخب برلمانه، وعند الوصول إلى مرحلة انتخاب الجهاز التنفيذي، يتم التغاضي عن إعمال القواعد الديمقراطية لمجرد أن لدي طموحاً لقيادة هذا الجهاز. فلا يُمكن أن أحرك فزاعة في كل مرة أُحسُّ فيها بأن النتيجة لن تكون في صالحي. إن هؤلاء يذكرونا بأيام زمان، إبان المرحلة الصعبة من تاريخ المغرب، حيث كان الترهيب بالقول: "هذا بوليسي، مخزني..."، وبالأمس القريب حاولوا محاربتنا بتحريك فزاعة "بي جي دي" –حزب العدالة والتنمية- القوى الظلامية، التحالف مع "البي جي دي"...، واليوم لمقاومة أطروحتنا هناك الفزاعة الجديدة المتمثلة في التنسيق مع "البام". نحن اليوم في الأغلبية، و"البام" و"بي جي دي" معا في المعارضة، وليس مطروحا على الاتحاد الاشتراكي الموجود في الأغلبية اليوم التحالف لا مع "البام" ولا مع "بي جي دي".
سؤال: (مقاطعا) نترك التحالفات الآن بعيدة إلى حين الوصول إليها.
جواب: (مقاطعا) إذن نرجع للتحالفات لاحقا، لكن لا بد أن أوضح في إطار إجابتي على سؤالكم حول: "مستقبل الحزب"، لأقول إنه للأسف إن البعض لم يستوعب بعد أن حزبنا اجتاز الصعوبات التي عشناها في المؤتمر الثامن، كما اجتزنا كل المحاولات التي كانت تستهدف الحزب في كينونته، وعقدنا مؤتمرنا واخترنا الأجهزة بالطريقة الديمقراطية، وهي طريقة ديمقراطية حقيقية، فالكل يتحدث اليوم يتحدث عن الديمقراطية داخل الأحزاب، لكن نحن الوحيدون الذين كان ترشيحنا للكتابة الأولى ترشيحا حقيقيا، وبناء على أرضيات، ولم يكن لدينا القائد الذي يحصل على نسب 90 في المائة من الأصوات، إذ تقاسمنا تقريبا أصوات الاتحاديات والاتحاديين، واستطعنا أيضا أن نخرج مما أسميه عادة ب "جلايلنا" لأنهم جعلونا نشتغل لمرحلة طويلة بالمسائل التنظيمية: هل انتخاب الأجهزة بالاقتراع عبر اللائحة، أم بالاقتراع الفردي إلى غير ذلك مما يندرج ضمن النقاش العقيم.
لذلك، يحق لنا بدورنا أن نتساءل عن النتائج والخلاصات الهامة للندوة الوطنية للتنظيم، وأنا اليوم أسأل الاتحاديات والاتحاديين جميعا، كما أسأل الذين يخرجون فزاعات "البام" وغيره ما موقفهم من نتائج الندوة الوطنية للتنظيم؟، إذ وجدت نفسي مدافعا (في صمت تام) عن نتائج هذه الندوة وضرورة تفعيلها وإخراجها للوجود طبقا لقرارات المؤتمر الوطني السابق.
إذن المطروح اليوم هو أن يُعبر كل واحد بوضوح عن موقفه الصريح والواضح من نِتاجٍ اشتغلنا عليه لمدة طويلة قبل انعقاد المؤتمر الثامن، واليوم هناك طمس لهذا الموضوع في وقت نحن فيه في حاجة إلى تفعيل قرارات الندوة الوطنية للتنظيم والتي صادق عليها المجلس الوطني في اجتماعه الأخير، عبر إدماجها في القانون الداخلي والأساسي للحزب. لكن مع كامل الأسف باسم فزاعة "البام" و"بي جي دي" يتم السكوت عن تفعيل القرارات الهامة لندوة التنظيم.
سؤال: (مقاطعا) يقال إن الاتحاد الاشتراكي تتجاذبه ثلاثة مكونات أساسية وهي: القيادة التي تريد أن تقوم بدورها في مجال إدارة السلطة، وأولئك الذين يريدون أن يحافظوا على الحزب بشكله النضالي الوطني، أو المناهض للسلطة، وهناك آخرون يعتقدون أنهم هُمِّشوا، ولا يساهموا بأي دور رغم أن الحزب في السلطة، وبالتالي ألا تعتقدون بأنه آن الأوان للتفكير في إيجاد حلِّ مشترك بين هاته التيارات الثلاث الموجودة داخل الحزب؟
جواب: كنت شخصيا أعتقد بأنه تم حَلُّ هذه المعادلة بانخراطنا في التناوب، وبالتالي لم يبق داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلا الذي يؤمن بأن يواصل حزبه التأثير في السياسات العمومية، وممارسة السلطة، وهذا من صميم عمل الأحزاب السياسية. أي لم يبق لدينا تهيُّب مما يسمونه السلطة، بل نحن موجودون اليوم لكي نفوز بالاستحقاقات الانتخابية، والذين يعتقدون بأن للأداة الحزبية دورا آخر غير دور التحضير للاستحقاقات الانتخابية، سواء في الجماعات المحلية، أو في الغرف المهنية، أو في واجهات المجتمع المدني وغيرها من الآليات التي يتحرك من أجلها الحزب فهم واهون. ولذلك فإن جميع وثائقنا وتقاريرنا منذ انخراطنا وقبولنا بدستور 96 تندرج في هذا الإطار، وبطبيعة الحال فإن الإطار الذي أتحدث عنه قد يكون أحيانا هو التَّخندق في معارضة المشاركة في الحكومة لأن هذا الموقف هو الذي يُمكنه أن يُقوِّي تلك الأداة الحزبية، وقد يكون أحيانا أخرى الانخراط في الحكومة لكونه يخدم تلك الأداة، إلا أن وجهة النظر هاته يجب أن تناقش بدون فزاعات أو نعوت قدحية.
إن الاتحاد الاشتراكي يحتاج إلى نقاش هادئ، سواء في اتجاه البقاء والاستمرارية في هذه الدينامية الإصلاحية التي فتحت في البلاد بقيادة جلالة الملك والتي لعب فيها الاتحاد الاشتراكي دورا مركزيا، بدءا من الانخراط في دستور 96 و مرورا بالانخراط في التناوب، أو الاستمرار في الحكومة سنة 2002 رغم خرق المنهجية الديمقراطية، فضلا عن الاستمرار مع حلفائنا في حزب الاستقلال في تدبير الحكومة رغم عدم إنصافنا داخلها في المنطلق، أم أنه حان الوقت ليكون الاتحاد الاشتراكي في المعارضة، ومن خلالها يؤطر الدينامية الإصلاحية ويدفع بها إلى الأمام وبشكل إيجابي.
سؤال: يلاحظ من خلال أجوبتك أن مشروعكم لا يختلف عن مشروع باقي الأحزاب السياسية الأخرى مثل حزب الاستقلال والحركة الشعبية، ولماذا تم التفكير في حزب بديل يُقال إنه قريب من سلطة القرار والذي اصطلحتم أنتم عليه بالوافد الجديد؟ ثم ألا يعتبر إخراج هذا المولود فيه تبخيس لدوركم وللممارسة السياسة بالمغرب؟
جواب: أولا، إن تأسيس حزب من طرف أي مجموعة من المواطنين هو حق دستوري. ثانيا، نحن في الاتحاد الاشتراكي وصفنا هذا اللبس والغموض حتى بالتضليل إبان نشأة هذا المولود أو الوافد الجديد كما أسميناه، أي أن الغموض هو الذي جعلنا نأخذ موقفا آنذاك، بل يمكنني أن القول (دون أنانية) إنني كنت لوحدي من اتخذ موقفا، وبدأت الأحزاب الأخرى ووسائل الإعلام تستعير مني هذا الطرح.
والأمر بالنسبة لنا في الاتحاد الاشتراكي يتمثل في كون أن هذا الحزب كان يطمح أن يحلَّ محلَّ حزبنا، فلم يكن لنا خيار سوى مقاومة هذه الإرادة التي كانت وقتها لم ترق إلى حزب وإنما "حركة لكل الديمقراطيين" أراها شبيهة بـ "حركة التوحيد والإصلاح"، علما أن الحزبين اختارا نفس المنهجية التنظيمية، أي انبثاق الحزب من الحركة وهذا حق طبيعي لمجموعة من المواطنين.
إن التطور الذي عرفته هذه الفكرة من "حركة لكل الديمقراطيين" إلى حزب كان يريد منذ البداية أن يحل محل كل القوى السياسية القائدة للمشروع الحداثي الديمقراطي، وكما لاحظتم أنه منذ نشأة هذا الحزب حل محل مجموعة من الأحزاب التي التحقت واندمجت معه. ونحن نعتبر أن دور الاتحاد الاشتراكي ودور القوى الديمقراطية في البلاد لا يزال قائما، ولذلك دافعنا على أن نقوم بهذا الدور كاتحاد اشتراكي، لكن عندما وصلنا لاستحقاقات 2009 أصبح هذا المشروع حزبا، وصَح التساؤل حوله هل هو حزب مثل الأحزاب الإدارية السابقة، أم حزب لديه مشروع؟
إن برامج هذا الحزب، من خلال ما أعلنه قادته، لديه محددين اثنين، هما تقرير الخمسينية وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وننتظر إلى يومنا هذا تأكيد ذلك من خلال تقاريره وبرامجه الصادرة عن مؤتمراته.
ومما لا شك فيه أن كل من يؤسس مرجعيته على المشروع القوي الذي جاء في تقرير الخمسينية ويناضل من أجل تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة يقترب من برنامج حزب الاتحاد الاشتراكي باعتباره حزبا ديمقراطيا حداثيا. وقد ظهر حزب "البام" على الساحة، وحصل على المرتبة الأولى في انتخابات 2009، علما أننا نحن في الحكومة التي أشرفت على هاته الانتخابات التي تحفظنا على نتائجها تنظيميا فقط، باعتبار أن كل الأطياف السياسية أكدت على أن نتائجها صحيحة، بما فيها الإخوان الذين جمعتنا معهم الكتلة، ويمكن العودة في هذا السياق إلى القرارات والبيانات الصادرة آنذاك.
إذن حزب "البام" موجود في الساحة، والاتحاد الاشتراكي سواء في انتخابات 2007 أو 2009 كان في المرتبة الخامسة والمرتبة الرابعة، إلا أن المجلس الوطني حدد لنا استراتيجية جديدة من خلال التأكيد على عدم الخروج عن المشاركة في الحكومة، بالرغم من أنه كانت لدي قناعات أخرى، حيث صادق المجلس الوطني لحزبنا بالإجماع على ضرورة البقاء في هذه الحكومة، مع تحسين وضعيتنا داخلها -وهذا هو المطلب-. ثم ربطنا استمرارية مشاركتنا بطرحنا لمسألة الإصلاحات السياسية مع حلفائنا وشركائنا، فتم إنجاز مذكرة الإصلاحات الدستورية رُفعت إلى جلالة الملك. أما فيما يتعلق بالإصلاحات السياسية فطلب منا المجلس الوطني – يمكنكم الرجوع إلى نص البيان- بفتح حوار وطني دون تحديد ما إذا كان هذا الحوار مع اليسار أو مع الكتلة أو مع كل الصف الديمقراطي. لذلك، عقد المكتب السياسي اجتماعات مع كل من الأصالة والمعاصرة، والاتحاد الدستوري، والحركة الشعبية، والتجمع الوطني للأحرار، وحزب الاستقلال، وحزب التقدم والاشتراكية، وجبهة القوى الديمقراطية، والحزب الاشتراكي الموحد، والحزب العمالي، والحزب الاشتراكي.
وهكذا يتأكد لكم أن أشغال المجلس الوطني لم تحصر هذا الحوار في اتجاه الكتلة أو اليسار، ولذلك انخرطنا كقيادة في حوار سياسي بدأناه بالفعل مع حلفائنا في الأغلبية، ثم انفتحنا على المعارضة، علما أن مضمون هذا الحوار السياسي يدور حول استحقاقات 2012 التي يستلزم التحضير لها بجدية لتكون غير الاستحقاقات السابقة.
سؤال: هل يعني أن الكتلة انتهت، وأن هناك التفكير في تحالفات تتجه نحو التحالف مع حزب علي الهمة، أم أن الكتلة يمكن أن تنفتح على أطراف حزبية أخرى؟ ولماذا لم يشر المجلس الوطني لحزبكم إطلاقا إلى مسألة الكتلة في بيانه الأخير؟ وكيف تقيم الإشراف المستقبلي للعلاقة بين حزب الاتحاد الاشتراكي والكتلة؟
جواب: لكي أجيب بوضوح، أقول إن المكونات الثلاثة للكتلة تقود العمل الحكومي، يعني أنه إذا اجتمعت الكتلة اليوم فمن أجل رفع مطالبها بشأن الإصلاحات السياسية، وهي الإصلاحات التي يجب أن تقدم عليها وتباشرها الحكومة، بما في ذلك وزارة الداخلية المعنية بمدونة الانتخابات وقانون الأحزاب، وبالتالي فإن الحكومة هي التي تضع مشاريع القوانين، وأن اجتماعنا داخل الحكومة يجب أن تصب في تقوية مبادرات الإصلاح السياسي، الذي لا يتعلق بفئة من المواطنين دون أخرى، بل يهم الأمة برمتها، والأمة لديها جزء داخل الحكومة وجزء آخر في المعارضة.
إذا كانت لدي رغبة حقيقية لتقوية المطالب الإصلاحية السياسية كحزب للاتحاد اشتراكي يجب أن أبحث داخل المعارضة عن من يقوي هذه المطالب، وإذا انخرط غدا "بي جي دي" و"البام" معا في نفس الإصلاحات السياسية التي نطالب بها من أجل استحقاقات 2012، وبشأن إصلاح الحقل الحزبي والإعلامي ومنظومة الحريات العامة، وإصلاح الحكامة الترابية، أقول إذا انخرطوا معنا في هذه العناوين الكبرى للإصلاحات السياسية فلا مشكل لدينا، دون الحديث بطبيعة الحال عن الإصلاحات الدستورية التي نحن متفقون إلى جانب الأحزاب السياسية أن تكون بتوافق تام مع جلالة الملك. ثم ماذا يعيب تقوية خندق الإصلاحات الأخيرة مع من يتقاسم معنا مطالبها الحقيقية، ولماذا تحريك تلك الفزاعات في المناسبات؟
سؤال: (مقاطعا) هذا لا يعني أنه ليس هناك أي خطوط سواء مع الإسلاميين أو الأصالة والمعاصرة؟
جواب: مقاطعا: نحن الآن نتحدث عن إصلاحات سياسية، وبالتالي فالأمر يتعلق بقواعد اللعب، من حيث ضبط كيفية الانتخاب وإجراء الحملات وإعلان النتائج، وليس أمام تحالفات تفرزها نتائج الانتخابات، وهي تحالفات مبنية على تقارب في المرجعيات، والبرامج... وأعتبر بأنه لو كان لنا مشهد حزبي حقيقي وصراع سياسي حقيقي لتوزع حقلنا بين محافظين، وتقدميين، ومعتدلين يلعبون دور الوسط، وهذا هو المشهد الحزبي الذي يطمح إليه كل فاعل سياسي حقيقي، باعتبار أن ذلك من الإصلاحات يتعين أن تقدم عليها البلاد وتنجح فيها. زنحن في الاتحاد الاشتراكي -وهو ما أعيبه فعلا على وجهة النظر الأخرى ولو أنني أحترمها- أننا كنا في وضعية نقود فيها عمليا هذه الحوارات، لكن مع كامل الأسف هناك من يريد إرجاعنا مرة أخرى إلى المطبخ الداخلي والصراعات الداخلية، ولهؤلاء أتوجه بالقول إن اتحادا اشتراكيا قويا يتطلب منا نبذ الخلافات، خاصة أن هذا الأمر صادف الدور الذي لعبه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فيما يتعلق بالدعوة إلى مسيرة الدار البيضاء الكبرى والتي كانت إشارة قوية حول مثانة الجبهة الداخلية للبلاد ووحدتها أمام الرأي العام الدولي.
سؤال: (مقاطعا) على ذكر المسيرة الكبرى للدار البيضاء، ماذا كان الغرض منها؟
لفهم الغرض العميق من المسيرة الوحدوية الكبرى، يجب استحضار الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثون لذكرى المسيرة الخضراء المظفرة الذي كان يحمل نبرة مختلفة تتمثل في التشخيص الواضح والصريح لقضيتنا الترابية. لذلك كان لا بد من التفاعل معه من خلال بعث رسائل كثيرة لكل القوى ذات الصلة بقضية وحدتنا الترابية، سلبا أو إيجابا. لقد أوضحنا للرأي العام الإسباني والدولي، أننا متمسكين بكون العلاقات مع الدولة والشعب الإسباني علاقات إستراتيجية ينبغي أن تكون نموذجا لحسن الجوار، كما أوضحنا لبعض الجهات السياسية ووسائل الإعلام الإسبانية أن سياسة التهجم المجاني والتضليل لا يُمكن ن تخدم المصالح المتبادلة للطرفين. كما أن المسيرة استهدفت داخليا بعض الأصوات والمنابر التي تعمل على تبخيس العمل الحزبي بالبلاد.
ومما كان مهما في هذه المسيرة، هو أن العمل التنسيقي تم داخل الاتحاد الاشتراكي، لذلك فإنني أتساءل عن الغرض من هذه الحملات مباشرة بعد نجاح هذه المسيرة.
سؤال: عودة إلى الحديث عن البرامج والتصورات والأهداف. كيف لكم أن تتحالفوا مع حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الدينية المتحفظة، وحزب الأصالة والمعاصرة الذي يعتمد عدد من أصحابه على موقع الحزب من القرار السياسي لفرض أنفسهم في الساحة السياسية؟ وبناء على ماذا؟
جواب: نرجع بكم إلى نفس الظروف التي فرضت علينا التحالفات سنة 1998 مع الحركة الشعبية لأحرضان، والمرحوم بوعزة يكن، وحزب الاستقلال، والتقدم والاشتراكية ...إلخ، لأن المسألة ليست قضية رغبات، وأنا لست عرافا، وما ستفرزه غدا صناديق الاقتراع هو الذي سيملي علي تحالفاتي انطلاقا من مرجعيتي والهوية التي انطلق منها، أي مقاومة الاستبداد والظلم، والدفع في اتجاه بناء المؤسسات ودولة القانون، كما أن هويتي هي نصرة الحريات العامة، والعدالة الاجتماعية، وتحقيق الحاجيات الحقيقية للمواطنين، والمشروع الحداثي الديمقراطي الذي أدخله الاتحاد الاشتراكي بتاريخه إلى القاموس السياسي، حينما كانت مثل هذه المفردات أفعالا جنائية يُعاقب عليها. ولذلك في إطار المشروع الديمقراطي الحداثي فإنه مفروض على الاتحاد الاشتراكي أن يطرق باب القوى الحية، وإذا لم تعطينا النتائج ما نصبوا إليه فإنه لا بد من االبحث في هذا الطيف عن التحالفات التي تضمن استمرارية الدينامية الإصلاحية والمشروع الإصلاحي الذي نحن منخرطون فيه.
سؤال: ماهي مقترحات حزب الاتحاد الاشتراكي لتعديل مدونة الانتخابات في أفق 2012، خصوصا أن وزير الداخلية الطيب الشرقاوي كان قد أعلن في البرلمان أن سنة 2011 ستكون سنة انتخابات، حيث أكد على إعطاء دفعة جديدة للعمل السياسي وإعداد الإطار القانوني والتنظيمي وفق المنهجية الديمقراطية؟
جواب: كان الفاعلون السياسيون، خاصة من بعد تصريح السيد الوزير الأول، ينتظرون انطلاق الحوار في هذا الأمر في الدورة البرلمانية لشهر أكتوبر 2010، واليوم يمكنني القول بأنه لم يتم ذلك في هذه الدورة ونحن مقيدون بمحطة يونيو 2012، مما يعني ضرورة الحسم في هذا الموضوع خلال الدورة الربيعية لهذه السنة، والإعلان عن انطلاق الحوار.
في هذا الصدد كانت بعض وسائل الإعلام قد نشرت إثر ترأسي أشغال يوم دراسي حول إصلاح القوانين الانتخابية بأننا وضعنا خارطة الطريق فيما يتعلق بمدونة الانتخابات، بدءًا من نمط الاقتراع وقانون الأحزاب والإصلاحات المتعددة التي تبدأ أولا من اللوائح الانتخابية إلى إعلان النتائج. لقد تساءلت عن المدى الذي يُمكن معه أن تستفيد البلاد من مشروع البطاقة البيومترية، أي إمكانية اعتمادها لتكوين لوائح غير متنازع حولها، ولا نحتاج فيها إلى لجنة إدارية ولا إلى لجنة للفصل في الطعون... إلخ، وبالتالي هل توفرت الشروط اللازمة في البلاد لكي تتحول البطاقة البيومترية إلى وسيلة للتسجيل في اللوائح الانتخابية مباشرة بدون طلب صاحبها ووسيلة للتصويت تغنينا عن بطاقة الناخبين، وبالتالي نقلص من أدوات الاحتيال والرشوة الانتخابية والتزوير....إلخ.
وتساءلت في اليوم الدراسي المشار إليه آنفا عن التعديلات الواجب إدخالها على مدونة الانتخابات لتغيير مجموعة من العادات السابقة، من قبيل لماذا يتم حرق أوراق التصويت الصحيحة في كل عملية انتخابية، وهو تساؤل لم يسبق أن طرح، إذ أنه بحكم الممارسة وجدت مسألة غريبة تتم عندنا وهي أنه عندما تنتهي العملية الانتخابية نحرق جميع الأوراق ولا نحتفظ سوى بالمتنازع بشأنها في الوقت الذي يجب أن نحتفظ بكل الأوراق لكي نرجع لها عندما تكون هناك منازعة حتى لو اضطررنا إلى إعادة الإحصاءات على غرار العمليات الانتخابية الوطنية والرئاسية ببعض الدول، لكن نحن نعدم كل دليل ونقول بعدها لماذا الانتخابات غير نزيهة، إضافة إلى أن العقوبات المنصوص عليها في مدونة الانتخابات بالنسبة للتزوير والنصب والاحتيال أخف مما هو منصوص عليه بالنسبة لنفس الأفعال في مجموعة القانون الجنائي، أليس هذا نوع من التشجيع على التزوير؟ يجب مراجعة جذرية للغرامات الهزيلة والعقوبات الحبسية الموقوفة والحبس النافذ المبني على التخفيف لكون الجرائم الانتخابية تمس إرادة الناخبين ومستقبل الأجيال ومصير الأمة.
سؤال: ماذا عن سقف الحوار بشأن الإصلاحات المطروحة بحدة؟
جواب: ليس لدي جواب نهائي عن هذا الأمر، وهو معروض على حزبنا الذي أطلق حوارا مع كافة الأحزاب ويجب أن يصل إلى مداه، لأن محددات الإصلاح السياسي هي قواعد قانونية يستلزم مباشرتها وضبطها لإصلاح انتخابات 2012 لكي لا تعتريها أية شائبة.
وأسجل هنا أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو الحزب الوحيد الذي لديه وثيقة تهم هذا الموضوع، بما في ذلك نمط الاقتراع. كما أن كلمة المكتب السياسي التي ألقاها الكاتب الأول لحزبنا خلال المجلس الوطني الأخير تضمنت الثلثين من أشغال اليوم الدراسي بشأن الإصلاح السياسي الذي كان لي شرف المبادرة إليه والإشراف عليه، لكن للأسف أن ما خرج من نقاش إلى الصحافة انصب حول فزاعة "البام"، و"بي جي دي".
وسأقدم لكم الوثيقة التي طرحتها على الحزب في هذا الصدد، والتي كانت موضوع اليوم الدراسي، وستلاحظون أن قراءة متأنية لها تؤكد شموليتها لكافة المطالب التي عبر عنها الاتحاديون سواء ما تعلق بالإصلاحات الدستورية أو الإصلاحات السياسية من خلال كل المجالات والمداخل الممكنة.
سؤال: هناك من يرى ضرورة انفتاح اللجنة المكلفة بتعديلات مدونة الانتخابات على فاعلين من شخصيات وطنية ليس لها حسابات حزبية ضيقة بعيداً عن الترقيعات التي تجري بكل مناسبة انتخابية؟
جواب: فتحنا نقاشا في حزب الاتحاد الاشتراكي وسوف نطلق منتديات جهوية حول الإصلاحات السياسية من خلال استدعاء فاعلين في المجتمع المدني وجامعيين، وجمعيات هيئات المحامين وغيرهم من رجالات القانون، ونأمل أن ينخرط الحزب في هذه الدينامية، والمضمنة بالوثائق المشار إليها آنفا، أو في أية وثائق أخرى يتم اعتمادها بكل ديمقراطية داخل الحزب، وألا تُواجه بفزاعات جديدة.
سؤال: هل سيتراجع حزب الاتحاد الاشتراكي عن الترشيح باللائحة؟
جواب: أعتقد، مع كامل الأسف، أن الاقتراع اللائحي بشكله الحالي بالمغرب، قلص الدور الموكول إلى الأحزاب دستوريا لتأطير المجتمع، لأنه عندما كانت الانتخابات مؤسسة على الأحادي الاسمي خاصة فيما يتعلق بالانتخابات الجماعية كان لنا في كل درب ودوار جماهير وامتدادات حقيقية مقوية لنا. أما الآن فقد فقدنا الاتصال بالهوامش. ونحن داخل الاتحاد الاشتراكي لولا الدور الذي تقوم به القطاعات الحزبية لأصبحنا حزب النخبة بدل حزب جماهيري. وقد أدى كل ذلك إلى فقدان الأحزاب امتداداتها خصوصا في أحزمة الفقر والبؤس وأضحت العملية الانتخابية خاضعة لمقاييس أخرى لا علاقة لها بتطور العمل السياسي. وهذا الأمر لا يتماشى وطموحات الاتحاد الاشتراكي الذي يعتبر أن الحزب الحقيقي هو الذي يسعى إلى تنظيم المواطنين وتمثيلهم كمساهمة منه في تأطير المجتمع.
لذلك فإنه بخصوص استحقاقات 2015 ( الخاصة بالجماعات المحلية) يجب التفكير جديا في الرجوع إلى الاقتراع الأحادي الإسمي، كما أنه لا مناص من خوض الانتخابات التشريعية القادمة بناء الاقتراع اللائحي وفق التصور الجديد الذي اقترحناه وذلك باعتماد الإقليم كدائرة انتخابية واحدة.
سؤال: في هذا السياق هناك من يطالب بالترشيح الأحادي في دورتين، ما رأيكم؟
جواب: هذه وجهة نظر في سياق الحوار الوطني الذي أؤكد عليه، وهو ما قرره حزبنا، في أحد مؤتمراته، إلا أنه مع كامل الأسف تم تجاوز ذلك، علما أن المؤتمر السادس للاتحاد الاشتراكي طالب باعتماد الاقتراع الأحادي على دورتين. وبذلك فإن هذا الطرح له ما يسنده وما يبرره في الآفاق الحقيقية لكل إصلاح يستهدف عقلنة المشهد الحزبي.
سؤال: ماذا عن تحالفات الغد؟
جواب: أقول بالوضوح التام، أنه لو اقتصرت تحالفاتنا في الماضي على اليسار لوحده، لما فزنا برئاسة أي جماعة حضرية بالمغرب. فلو اقتصرت تحالفات الاتحاد الاشتراكي على الكتلة لوحدها لما تمكنا من رئاسة العاصمة الإدارية للمملكة بالرباط، بل إن حزبنا لا يُسير مع الكتلة واليسار إلا 15 % من الجماعات المحلية لما بعد سنة 2009 والتي يساهم الاتحاد في تسييرها، أي أن 85 في المائة من هذه الجماعات تسير مع عدد من الفرقاء السياسيين، إذ توجد جماعات اليوم يسيرها "بي جي دي" و"البام" رغم صراعاتهم، وجماعات يديرها حزب الاستقلال و"البام"... وأعتقد أن كل الأحزاب السياسية ذات الشرعية، يمكنها أن تصل إلى تحالفات، وأن أساس التنسيق هو المرجعية والبرامج ومدى قربها وبعدها، وهذا الاعتبار هو الذي سيملي علي تحالفات المستقبل من منطلق استمرارية دينامية الإصلاح تحت يافطة المشروع الديمقراطي الحداثي.
سؤال: يقال بأن 2012 هي المعركة الحاسمة التي ستجمع "البام" مع العدالة والتنمية ما هو تعليقكم؟.
جواب: لست متفقا مع هذا الطرح لأن فيه تبخيس للأحزاب السياسية المغربية، وفيه تضليل عن حقيقة المشهد الحزبي في بلادنا والذي لا يُكن اختزاله في : "بي ج يدي" أو "البام".
سؤال: يقال أنكم بالأمس كنتم قريبا من العدالة والتنمية واليوم وأنتم وزيرا في خندق "البام" ماذا وقع؟ وما هو ردكم؟
جواب: إن القرار الحزبي المنبثق من المصلحة الوطنية هو الذي يتحكم في إدريس لشكر منذ كنت طالبا في الكلية إلى يومنا هذا. وما يعيبه علي خصومي هو الانضباط المطلق للقرار الحزبي. لقد دخلت الحكومة بعد دورة للمجلس الوطني الذي أصدر بلاغا، أدعوكم إلى قراءته، حيث كان واضحا في موضوع البقاء في الحكومة، مما جعلني آنذاك أنضبط للقرار الحزبي. وواضح أننا ما زلنا منخرطين في الدفاع عن مشروع الدينامية الإصلاحية وفقا لقناعاتنا الراسخة التي لن تتغير، -حيث دافعت عن تجربة 1998 ولم أكن فيها وزيرا بقناعة وإيمان- كما ساهمنا من موقع المعارضة في بداية التسعينيات من خلال وضع قانون الجهات، وقانون الشركات، والقانون التجاري وغيرها.
وكما تلاحظون، فإنني وضعت ورقة تهم ورش الإصلاح السياسي من موقعي الوزاري، وهي ورقة ذات مرجعية حزبية. لذلك اطمئن وتأكد، وأنت رجل قانون وزميلي في المهنة، أن المنصب إذا كان بالنسبة للبعض ارتقاء اجتماعيا، فإن نبل القضية والمهمة يجعلها بالنسبة لنا، قبل أن يكون تشريفا، فهو تكليف بخدمة الصالح العام. وأنا مطمئن ومرتاح بأنني أساهم في تنمية بلدي من خلال سن مشاريع القوانين واتخاذ الإجراءات والقرارات التي تهم التنمية وكذا العلاقة مع البرلمان، خاصة البرلمانيين الحاملين معنا هَمَّ الديمقراطية والتنمية السياسية بغية تطوير البلاد.
سؤال: ما هي قراءتكم لما يجري في تونس، خاصة أن البعض يعتقد أن ما وقع ناتج عن إضعاف وخنق الأحزاب وضرب هامش الحريات والصحافة، وذلك في ظل حزب مهيمن، ويتساءل أصحاب هذا الرأي عما إذا كان من الضروري إعادة النظر في سياسة وضعية ترَهُّل وضعف الأحزاب بالمغرب والمتابعات الجنائية في حق الصحفيين وميلاد حزب سياسي من طرف السلطة، بل هناك من يذهب إلى حد المقارنة في بعض الجوانب؟
جواب: أولا لا مقارنة مع وجود الفارق، ونحن أمة تقدم من جنوب البحر الأبيض المتوسط نموذجا للانتقال الديمقراطي، بالفعل أن الخصاص مازال كبيرا ولا بد من مضاعفة المجهودات ليحس كل مواطن بأن له دورا في العملية السياسية، بدءا من تلمسه آثارا لورقة تصويته ليطمئن بالفعل بأن لدينا ديمقراطية حقيقية، لكن يمكنني أن أقول لك بأن المغرب بدأ يقترب فيما يتعلق بالحريات والديمقراطية والمؤسسات من الدول الغربية، خاصة بعدما توسعت نحو أوروبا الشرقية إذ بدأنا نقترب إلى الحد المشترك.
إن وضعية تونس التي أشرتم إليها تذكرنا بمرحلة الحريات العامة وحقوق الإنسان في السبعينيات والثمانينيات بالمغرب، حيث انتبه إلى ذلك المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه وبدأ مسلسل إصلاحيا منذ أواسط التسعينيات، وهو المشروع الذي يقوده اليوم جلالة الملك محمد السادس، ولذلك تحدثنا في البداية عن الإصلاحات السياسية، من قبيل قانون الصحافة، وقانون التجمعات... بهدف الوصول إلى الحد المشترك الذي يجمعنا مع الضفة الشمالية والتي لا يمكننها نهائيا أن تتعامل معنا في ظل استمرار واستعمال المال والتزوير وإفساد العملية الانتخابية.
إذن لا مناص من القيام بمجهودات تصب في اعتماد استحقاقات سليمة والعمل على الحكامة الترابية الجيدة من خلال الاشتغال على الجهوية من خلال اللجنة الاستشارية، ومشروع الحكم الذاتي المطروح للتفاوض، والميثاق الجماعي الذي يعرف تحسينات نوعية عند كل تعديل.
نحن مطالبون اليوم بتأهيل تشريعاتنا و أنظمتنا، خاصة أمام ما أسميه بالفرصة التاريخية للاندماج في التنمية بشكل متناسق مع دور الاتحاد الأوروبي، وهي فرصة يجب على المغرب أن ينتهزها باعتبار أنها تؤسس للوضع المتقدم الذي حصل عليه لكي لا يضيع منه، انطلاقا من أوراش الإصلاح المفتوحة، بما في ذلك المجال الاجتماعي، واعتماد قواعد للحوار الاجتماعي في بلدنا.
كما أن الحديث عن وضعية المغرب التي لا تقاس على وجه الإطلاق بما يجري في تونس، ممكن من خلال الإشارة على سبيل الاستئناس إلى التقرير الذي صاغته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون فيما يتعلق بطبيعة الإصلاحات التي تشهدها بلادنا، وكذا شهادة صديقنا عبد الباري عطوان صاحب جريدة "القدس" في حوار تلفزي من خلال تأكيده على أن الديمقراطية الناشئة بالمغرب لا علاقة لها بما جرى في تونس أو غيرها بالأقطار العربية، لذلك فكل المقارنات غير صحيحة.
سؤال: مما لا شك فيه أن الديمقراطية تدعم الأنظمة وتقويها، وبالتالي ألا تعتقدون أن هذا الطرح يدفع بالديمقراطية إلى الأمام؟
جواب: أنا مؤمن وأعتبر كفاعل سياسي أن الاستقرار الأمني واستمرارية هذه الأمة لا يمكن أن يكون إلا بتطوير الديمقراطية، بل إن ذلك يخدم أيضا قضيتنا الوطنية انطلاقا من الدفع إلى أبعد الحدود بالأوراش السياسية والإصلاحية التي ستفوت الفرصة على الخصوم وأعداء هذه الأمة، بمعنى أن الجواب العملي عن نقط الهشاشة والضعف ومعاكسة خصومنا في الجزائر، يكمن في تطوير الآلية الديمقراطية وتقوية الجبهة الداخلية.
سؤال: ماذا عن مسؤولية الأحزاب السياسية في إفساد العملية الانتخابية؟
جواب: هناك مقاومة للإصلاح، ولابد من رفع العتبة لتكون لدينا أحزاب حقيقية، بعيدا عن تأسيس دكاكين لبيع التزكيات، كما لا يمكن الحديث على السياسة بمفهومها النبيل إلا إذا كان التنافس بين 5 أو 6 أحزاب سياسية وليس 30 حزبا.
سؤال: هل يمكن إعادة النظر في التركيبة الحزبية بالمغرب؟
جواب: الأمر سهل للغاية وقد قلتها بكامل الوضوح انطلاقا من مدخل العتبة ووضع أسس لعمليات التمويل وتوزيع حصة الإعلام، لسد الباب عن أصحاب "الدكاكين"، وغير ذلك من الإجراءات التي حوربت من أجلها قبل سنة 2007، بل هناك من وصفني بالإقصائي، وأنا ما زلت مقتنعا بأن هذا المدخل هو من الأوراش الإصلاحية الأساسية لعقلنة المشهد الحزبي في المغرب لتمكين المواطن من سهولة الاختيار بين برامج الأحزاب.
سؤال: ما هو الحد الأدنى لرفع العتبة في نظركم؟
جواب: على الأقل 8%.
سؤال: ساهمتم في دعم مشروع الحكم الذاتي رغم أنكم لم تبلوروه، ووجهت لكم انتقادات تصب في عدم قيام الأحزاب بالدبلوماسية الحزبية، وبالتالي هل احتكار القضية الوطنية هو الذي يعجز الأحزاب عن المساهمة أم أن الأمر يتجاوزكم؟
جواب: على العكس نحن في الاتحاد الاشتراكي عبرنا في كل المحطات الأساسية عن مواقفنا بكل مسؤولية، وتذكرون الموقف الذي اتخذه الكاتب الأول لحزبنا فيما يتعلق بقبول الاستفتاء، ونحن إلى اليوم نرى أن إدارة هذا الملف كباقي ملفات السياسة العمومية لبلادنا، والتي تباشر من طرف المؤسسات المسؤولة عنها، وأن المشاركة الشعبية تكمن في الجوانب المتعلقة بالتعبئة، والحذر، والاقتراح. كما أننا نعتبر أن إدارة وتدبير الملف في العقد الأخير كان تدبيرا جيدا ولا تشوبه شائبة، حيث استبعدت المقاربة الأمنية وأضحت محلها مقاربة تنموية حقيقية، فمثلا بوجدور، التي شرفني صاحب الجلالة بتنصيب عاملها الجديد، كانت أقل من قرية صغيرة سنة 1975 وأضحت اليوم مدينة، والعيون تضاهي اليوم عواصم إفريقيا.
إذن هناك مجهود تنموي وسهر على تدبير الملف بما يضمن في نفس الوقت بأننا دولة تحترم التزاماتها، وهي التزامات أوصلتنا إلى مقترح الحكم الذاتي الذي أصبح له صدى لدى القوى الأساسية والفاعلة في القرار الدولي، من ضمنها أعضاء مجلس الأمن.
مما لاشك فيه أن مناورات خصومنا تنجح أحيانا لوضع العصا في عجلة دينامية الإصلاح الذي انخرط فيه المغرب، كأحداث العيون، وما وقع في البرلمان الأوروبي...إلخ.
لذلك كان خطاب 6 نونبر بمناسبة الذكرى 35 لذكرى المسيرة الخضراء، وكأنه يستشرف المستقبل، إذ إن جلالة الملك لم يتوجه للأحزاب السياسية فقط، بل نبه الشعب المغربي إلى ضرورة اتخاذ المزيد من الحذر واليقظة وكأنه يستشرف مخطط ما وقع من هجوم بري وبحري لبعض المناصرين من إسبانيا والبوليساريو.
أعتقد أن المغرب تجاوز مرحليا هذه المخططات الجهنمية ببعثه أولا إشارة واضحة إلى الرأي العام الدولي أن الجبهة الداخلية متماسكة من خلال المسيرة المليونية التي عرفتها الدار البيضاء في ظرف قياسي، وهي رسائل عديدة التقطها حتى جيراننا الذين لا يستطيعون أن ينظموا تجمعا لمغني "الراي". وعموما فإنه لا يمكن أن نقول بأنه يوجد تقصير في هذا الملف.
سؤال: ماذا عن إشكالية البرلمانيين الرحل بمجلس النواب والمستشارين؟
جواب: يجب إعادة صياغة قانون الأحزاب لإغلاق هذا الملف نهائيا، خاصة أن عملية تكرار الترحال تصل إلى ثلاث مرات مثلا في الولاية التشريعية وفي كل استحقاق، مما تعد معه العملية عملية تجارية محضة لا علاقة لها بتغيير الإنتماء لاختلاف في وجهات النظر، ونبل مفهوم الترحال الذي مس جميع الأحزاب، لكن بشكل أقل حزبي الاتحاد الاشتراكي.
سؤال: صادق مجلس الحكومة المعقد بتاريخ 25 يناير 2011 على مشروع مرسوم يهم مهنة المحاماة، ما هو تقييمكم لها النص؟
جواب: أعتقد صادقا، باعتباري منتميا لهذه المهنة النبيلة، أن هذا النص يعد بمثابة "ثورة" في عالم هذه المهنة. فالنص التشريعي بدأ يجد توضيحات في نصوص تطبيقية من قبيل هذا النص. وأنتم تدركون ما تسببه أتعاب المحامين في إطار المساعدة القضائية من مشاكل قد تجعل بعضهم لا يتحمس لتقديم هذه الخدمة على الوجه المطلوب. لذلك، ستُخصص من ميزانية وزارة العدل اعتمادات مالية لتغطية أتعاب ومصاريف المحامين يتم توزيعها على جمعيات هيئات المحامين وفق معايير سيتم الاتفاق عليها، من أجل استفادة الزملاء المحامين منها. وبعد موافقة الحكومة، سيُعرض النص على المجلس الوزاري الذي يرأسه صاحب الجلالة للمصادقة عليه ليعرف طريقه للنشر والتنفيذ.