أخواتي، إخواني،
من حق كل واحدة و كل واحد منا أن يفتخر بهذه اللحظة التي دشناها بتمرين ديمقراطي لم يسبق له مثيل، ألا و هو إشراك الشعب بكل فئاته في نقاشنا و تقديرنا لأوضاعنا، في آلامنا و آمالنا. ها نحن مجتمعون لا مشتتون، ملتئمون لا متفرقون. إنها بادرة تُلزمنا بأخلاقيات أصبح الشعب برمته شاهداً عليها. فمنذ أن وضعت ترشحي للكتابة الأولى، و أنا أتصور المهمة في نبلها، مستحضرا القيادات التاريخية المجيدة و قاطعا على نفسي بذل كل الجهد من أجل توحيد الصفوف و مد الجسور و الوفاء بالعهود.
أخواتي، إخواني،
يعيش الاتحاد لحظة تحول محفوف بالمخاطر لجسامة الأسئلة المطروحة عليه، في سياق الحراك الشعبي، و ما أفضى إليه من مستجدات سياسية و مؤسسية. هذا السياق يجعل من مؤتمرنا فضاءً للمكاشفة و لتقييم تجربتنا دون أية مجاملة، في أفق إعادة بناء الخط الحزبي و في اتجاه التجديد و مد الجسور مع قوات الإصلاح و الحداثة.
أخواتي، إخواني،
قناعةً مني بأن ما ينتظره المناضلون ليس تصريحاً بالمبادئ، أو سرداً للدوافع الشخصية التي أدت إلى تقديم الترشيح، كان منطلقي هو حرصي على عرض فهمي و تحليلي للأوضاع التي تمر بها البلاد، و التغييرات التي صاحبت الحراك الجماهيري منذ أزيد من سنة. لقد حرصت في الأرضية التي بين أيديكم و من خلال الحوارات الصحفية، على طرح منظوري لعناصر الصراع السياسي و المجتمعي الدائر في بلادنا، موضحا المهام المطروحة على الحزب سواء بالنسبة للتنظيم أو لمناهج العمل أو للتموضع في حقل الصراع السياسي.
فأنا لم أتقدم بأرضية تُلبي رغبة مجموعة معينة لأنني أُحرم على نفسي الحلقية القاتلة، و لم أطرح أرضيةً لمحاباة جهة داخلية أو خارجية. إنني صُغتها كوثيقة لفهم ما جرى و ما يجري، فبدون فهم لن تتعدى المقاربات حدود التبرير و التأويل.
أخواتي، إخواني،
ترشحي نابع من تجربة عملية ، تنظيمية و سياسية، و من تفكير ناتج عن تراكمات النقاشات و الصراعات الأيديولوجية التي حركت الاتحاد في مراحل متعددة من تاريخه و في المجمل فإن ترشحي امتداد لوفائي على الدوام لراية الاتحاد أوقات الشدة و أوقات الانفراج.
و تفاديا لأي تأويل مغلوط فأنا، مثلي مثل العديد من قادة الحزب، لم أكن في منأى عن السجالات الفكرية، و لكنها كانت دائماً تذوب أمام مصلحة الحزب و الوطن. إنني أومن بفضيلة النقد و النقد الذاتي لأنهما رديفان للعمل و الممارسة. فالعمل السياسي ليس تجارباً في مختبرات، بل إنه عمل في الواقع الذي نحاول تغييره أو التأثير فيه، فيعود لنا هذا الواقع بصِيَغ جديدة تدفعنا للتقويم و المراجعة.
وفي هذا الصدد، إنني أعتبر مؤتمرنا هذا محطةً لمراجعة الذات بأسلوب بَنًّاء، لا نُلقي فيه اللوم على هذا أو ذاك حين نلامس الإخفاقات، ولا نوزع بيننا التهاني عند الإنجازات. لذلك فمراجعة الذات ضرورية. و يجب أن تكون مراجعةً جماعية حتى تُقَوي الحزب و تساعد على رص الصفوف، و إلا فإنها ستُأدي إلى التنافر و التشرذم لا محالة.
أخواتي، إخواني،
أعلن من هذا المنبر، أنني شديد الحرص على وحدة الحزب، فلا خيار أمامنا إلا تجميع القوى الاتحادية و اليسارية عموما حول المشروع الديموقراطي المتجدد، و جذب القوى الحية من نساء و رجال و شباب، مبدعين و فاعلين جمعويين و فرقاء اجتماعيين، لحمل المشروع الاشتراكي الديمقراطي و الحداثي، و تصريفه في الحياة اليومية للمواطنين.
إن الجماهير الشعبية تنتظر منا أن نقف وقفة إنسان واحد، لفتح آفاق مُعبِّئة للإرادات و حاملة للتطلعات نحو غَدٍ أكثر اطمئنانا. فالمغرب يجتاز اليوم إحدى أحلك المراحل المعاشية في تاريخه المعاصر، نظرا لغياب برامج واضحة و سياسات منصفة، و لسيادة الارتجالية في الأداء الحكومي. أمام هذا التردي لا خيار إلا مقاومة الرِّدة التي تُصيب السياسات العمومية و مجال الحريات و حُظوظ المساواة. في هذا السياق، فإن رسالة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لا تقبل الاختزال في منافسة الأشخاص حول مسؤولية الكتابة الأولى. إننا لسنا بصدد منح الحزب زعيما، بل إننا أمام ضرورة إيجاد زعامة جماعية لقيادة الحركة الجماهيرية.
أخواتي، إخواني،
هذه المهمة تتطلب نفسا طويلا، و هو أمر يجب أن لا يُخيفنا، لأننا لن نقيس النجاح بالمردودية السريعة. إننا نعتبر الزمن حليفا لنا إذا أسسنا خططنا و سياستنا و تنظيمنا على رؤية واضحة لخصوصيات الصراع الحالي، و عبأنا قدراتنا الذاتية و وَضَعنا الجسور مع حلفائنا الطبيعيين.
أخواتي، إخواني،
عاش الاتحاد الاشتراكي للقواة الشعبية بديلا ديمقراطيا حداثيا.