في المهرجان الوطني حول «المغرب والجزائر، قاطرة مستقبل البناء المغاربي» بوجدة:

 

قال الأستاذ إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي ترأس المهرجان الوطني المنظم من طرف المكتب السياسي للحزب بمدينة وجدة تحت شعار: «المغرب والجزائر، قاطرة مستقبل البناء المغاربي»، إن هذه المبادرة لم تتخذ إلا للتأكيد على صدق اليد الممدودة إلى الأشقاء الجزائريين «قصد توفير شروط المصالحة الضرورية للتوجه المشترك نحو بناء غد أفضل، يطبعه حسن الجوار والتعاون الثنائي لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة لفائدة الشعبين المغربي والجزائري».
وتحدث في كلمته عن الحدث النوعي الذي وقع عليه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية واحتضنه مسرح محمد السادس مساء الجمعة 07 دجنبر 2018، مبرزا بأنه لحظة تاريخية تكتسي أهمية بالغة بحكم ما تحمله من دلالات سياسية ورمزية متعددة في سياق دولي وإقليمي تطبعه التحولات المتسارعة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية.
ودعا الكاتب الأول إلى الوقوف احتراما وتقديرا لمقترِح المبادرة، القائد الاتحادي والمجاهد الوطني الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، «الذي لم يتوقف يوما، بحكم إسهامه الكبير في حركة المقاومة وجيش التحرير وعلاقاته الوطيدة مع العديد من القيادات الجزائرية، عن تعزيز روابط الإخاء والتعاون بين الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري» يقول إدريس لشكر، معبرا عن تقديرهم، كاتحاديات واتحاديين، قيادة وقواعد، لهذا القائد الكبير الذي بادر إلى التفاعل مع نداء ملك البلاد وأبى إلا أن يكون الحزب «هو الحاضن لهذه المبادرة النبيلة وأن تكون القيادة الحزبية هي المؤطرة لهذا المهرجان الوطني حرصا منه على أن يكون للسياسة معنى».
وأكد على أن المناضل عبد الرحمن اليوسفي خصص كفاحه وصحته لمناصرة الحرية والكرامة، واعتبره رجل الدولة الصادق الذي ساهم بشكل كبير في ترسيخ التجاوب الخلاق بين الملكية الإصلاحية الرائدة والوطنية التقدمية المناضلة، «وها هو اليوم، بحكمته السياسية، يشدد على وحدة المسار التاريخي المشترك بين البلدين والشعبين الشقيقين، ويدعو إلى ضرورة تحقيق الانتصار الجماعي كمغاربة وجزائريين».
وعن اختيار الاتحاد الاشتراكي لمدينة وجدة مكانا لتنظيم هذا المهرجان الوطني، أبرز الأستاذ إدريس لشكر بأنه يتوخى التذكير بالدور التاريخي والاستراتيجي الذي لعبته هذه المدينة «العريقة في التلاحم الوثيق بين المغاربة والجزائريين، سواء في أوقات الفرح أو في لحظات الشدة، من أجل الدفاع عن المصالح المشتركة للشعبين بشكل مبكر ومنذ معارك التحرر من الاستعمار»، وأشار في هذا الصدد، إلى أن الوجديات والوجديين سيظلون، كما كانوا من قبل، «متشبثين بالجوار المفتوح الذي لا حدود له، وبالأمل المغاربي الذي انبعث مع مؤتمر طنجة 1958، كمحطة بارزة في ترسيخ الوعي الناضج بالمصير المشترك والآمال الموحدة»، مؤكدا أن الحتميات الجغرافية، التاريخية والثقافية «تجعل القدر المحتوم على المغاربة والجزائريين كامنا في العيش الكريم جنبا إلى جنب، والتواصل بينهم بالإنصات الجيد بعضهم لبعض والتآزر في السراء والضراء».
وتحدث الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي عن مبادرة تنظيم مهرجان وطني تحت شعار «المغرب والجزائر، قاطرة مستقبل البناء المغاربي»، مبرزا بأنها تندرج في سياق الموقف الذي أعلن عنه الملك محمد السادس يوم 06 نونبر 2018، بمناسبة الذكرى 43 للمسيرة الخضراء، «والذي أوضح بكامل المسؤولية أن المغرب مستعد للحوار المباشر والصريح مع الجزائر من أجل تجاوز مختلف الخلافات الظرفية والموضوعية المعيقة لتطور العلاقات بين البلدين الشقيقين»، وفي هذا الإطار شدد على أهمية الموقف المغربي الواضح والمسؤول، مثمنا اقتراح جلالة الملك بإحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور تشكل إطارا عمليا للتعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات، «وهي آلية ستمكن من خلق الأجواء المناسبة وبعث روح الثقة بين الطرفين للعمل، دون شروط وبعيدا عن أي استثناءات كيفما كان نوعها، وعلى بلورة منهجية مشتركة لدراسة جميع القضايا المطروحة، وخاصة ما يتعلق بمحاربة الإرهاب وإشكالية الهجرة والتصحر وتحقيق الأمن الغذائي والاستثمار في مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية».
وعبر عن ارتياحهم لما أفرزته المبادرة الملكية تجاه الجزائر الشقيقة من تفاعلات إيجابية مشجعة وترحيب دولي واسع من طرف الأمين العام للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومجموعة من الدول المؤثرة في القرار الدولي والعديد من منظمات ودول العالم، معتبرا هذا الترحيب الدولي «دليلا على وجاهة التوجه المغربي والرغبة في الارتقاء بالتنسيق والتشاور الثنائي إلى المستوى الذي يمكن من رفع التحديات الإقليمية والدولية، الراهنة والمستقبلية، كما يعكس الرهانات الدولية المعقودة على شمال إفريقيا في تعزيز الأمن والاستقرار بمنطقة البحر الأبيض المتوسط وتحقيق الاندماج الاقتصادي الشامل والمساهمة الفاعلة في التنمية المستدامة».
وذكر بأن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كامتداد لحركة التحرير الشعبية، شكل نموذجا للكفاح الوطني المتواصل من أجل الدفاع عن الحرية وترسيخ الديموقراطية وتعزيز البناء والوحدة، وظل وفيا للتاريخ العريق الذي جمع بين الشعبين الشقيقين اللذين وقعا على صفحات خالدة من النضال المشترك الذي سيبقى موشوما في الذاكرة الجماعية، وفي هذا الصدد ذكر بمعركة إسلي بين المغرب وفرنسا سنة 1844، التي اندلعت بسبب مساعدة السلطان أبو الفضل عبد الرحمن بن هشام للمقاومة الجزائرية ضد فرنسا واحتضانه للأمير عبد القادر، وكذا بالخطاب الذي ألقاه المغفور له محمد الخامس يوم 15 شتنبر 1956 بمدينة وجدة، «والذي تطرق فيه لمعاناة الشعوب المغاربية، وخاصة الشعب الجزائري، جراء السياسة الاستعمارية الفرنسية، مؤكد على ضرورة إيجاد حل سلمي وعادل للقضية الجزائرية، ومشددا على أن مستقبل الجزائر لن يكون إلا في إطار وحدة المغرب العربي».

وأشار الكاتب الأول للحزب إلى أن المغرب أدى الثمن غاليا بسبب دعمه للجزائر، خاصة خلال التسعة أشهر التي اضطر فيها إلى قطع علاقته مع فرنسا على إثر اختطافها للطائرة المغربية التي كانت تقل الزعماء الجزائريين الخمسة، الذين جاءوا إلى المغرب وحلوا ضيوفا على المغفور له الملك محمد الخامس، مضيفا بأنه «سيظل موشوما في الذاكرة يوم عرضت فرنسا على حكومة المغرب الدخول معها في مفاوضات لتسوية مشكلة الحدود أثناء حرب التحرير الجزائرية، غير أن المغفور له الملك محمد الخامس، المعروف بوفائه وسمو أخلاقه، رفض التفاوض المباشر مع فرنسا وفضل معالجة المشكل بعد استقلال الجزائر».
«ودفعا لكل محاولة يائسة ترمي إلى طمس الهوية المشتركة، ومن أجل حفظ الذاكرة المغربية والجزائرية حتى يتسنى للأجيال الصاعدة في كلا البلدين الاطلاع على تفاصيلها»، أعلن الأستاذ إدريس لشكر عن إطلاق الاتحاد الاشتراكي مبادرة للتوثيق من خلال جمع الوثائق والأشرطة والمقالات المتوفرة وتسجيل شهادات حية لنساء ورجال المقاومة من البلدين معا، بما في ذلك دعم كل المبادرات المدنية المتعلقة بالموضوع.
ومن جهة أخرى، دعا الكاتب الأول لحزب القوات الشعبية، إلى محاصرة التداعيات الاجتماعية السلبية، وتجاوز العراقيل التي أضاعت على المغاربة والجزائريين فرص التنمية الاجتماعية وتحقيق الاندماج الاقتصادي، مبرزا بأن الاتحاد الاشتراكي كان دائما ميالا إلى تكريس الانفتاح بين البلدين ومحفزا على بذل المزيد من الجهود لإزالة العقبات والتعاطي مع المشاكل الطارئة بحكمة وتعقل، لأنه «لم يعد مقبولا، من الناحية السياسية والأخلاقية، الاستمرار في هدر الزمن ومراكمة الخسارات على أكثر من مستوى»، يقول إدريس لشكر، مؤكدا على ضرورة إطلاق دينامية جديدة في العلاقات الثنائية تقوم على التداول الشامل بخصوص كل المشاكل والقضايا المطروحة بين البلدين، والبدء بمعالجة المشاكل التي يعانيها مواطنو البلدين في الحدود، وخاصة التحديات الإنسانية التي تفرض نفسها بقوة والمرتبطة بصلة الرحم.
وفي هذا الإطار، دعا الأشقاء في الجزائر إلى «العمل على حل هذا المشكل ذي الطبيعة الاجتماعية والإنسانية، بالسماح بتبادل الزيارات بين الأسر والعائلات المشتركة المغربية والجزائرية من خلال فتح معبر حدودي، وذلك في أفق فتح الحدود بشكل عام»، وأضاف «كما يتعين دعم مشاريع الاستثمار المتبادلة، ومحاربة التطرف والإرهاب خاصة على مستوى الشريط الجنوبي، ومقاربة قضية الهجرة بمنطق تشاركي لا يجعل من البلدين دركيين لأوربا…» وأكد على أن المسؤولية التاريخية والسياسية والأخلاقية إزاء الشعبين الشقيقين «تقتضي منا كفاعلين سياسيين أن نبادر، بدون أدنى تردد، إلى تجسيد التطلعات المشروعة لشعوب المنطقة في الاستقرار والنماء والتضامن».
وإلى جانب ذلك، دعا إلى الالتزام بقواعد الاحترام المتبادل والانخراط في مجهودات المنتظم الدولي الهادفة إلى تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة، «وخاصة التعاون الصادق مع الأمين العام للأمم المتحدة، ودعم مجهودات مبعوثه الشخصي قصد إرساء مسار سياسي جاد وذي مصداقية يرمي إلى إيجاد حل سياسي دائم، واقعي وتوافقي، وفي إطار مبادرة الحكم الذاتي» مبرزا بأن هذا الأمر يتطلب انخراطا أكبر وإرادة حقيقية من كافة الأطراف المعنية، «خاصة بعد الروح البناءة وجو التفاؤل الذي ساد محادثات جنيف الأخيرة برئاسة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة».
وقال في هذا الصدد إن المغاربة والجزائريين يستطيعون، في ظل الأمن والاستقرار، رفع التحدي التنموي المشترك وتعبئة الطاقات الجماعية لتفعيل شراكات اقتصادية ناجعة ومنتجة للثروة تعود بالنفع على الأجيال الحالية والمستقبلية، مؤكدا على أن ذلك لن يكون في صالح الشعبين الشقيقين فقط، «بل ستكون له أيضا انعكاسات إيجابية على مجموع البلدان المغاربية التي نأمل أن تعزز الاستقرار والازدهار في أرجائها»، مشيرا إلى أن استقرار شمال إفريقيا ستكون له انعكاسات إيجابية على مستوى البلدان الإفريقية والقارة الأوروبية مما يمكن كلا من المغرب والجزائر من تطوير قدراتهما الذاتية لتحقيق الاندماج الاقتصادي والتنموي ولعب دور حيوي في مد الجسور بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي تشكل حلقة الوصل بين أوروبا وإفريقيا والعالم العربي في اتجاه آسيا.
وذكر إدريس لشكر في كلمته، بأن المغرب والجزائر بلدان واعدان، «يتوفران على مؤهلات كبيرة تتيح تحقيق التكامل بينهما للتأشير على نموذج رائد للشراكة الاستراتيجية بما يجعلهما قاطرة حقيقية للمنطقة برمتها ولبناء المستقبل المغاربي»، مبرزا بأنهما يمثلان قوة ديموغرافية كبيرة حيث يستحوذان معا على حوالي 80% من مجموع ساكنة المنطقة المغاربية ويمثل الناتج الداخلي الإجمالي بهما حوالي ثلاثة أضعاف ما هو موجود في باقي بلدان المنطقة، واستحضر في هذا السياق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي والبنك الدولي حول التنافسية برسم سنة 2018، والذي أشار إلى أن «الاقتصاد المغربي والاقتصاد الجزائري حققا تحسنا ملموسا في العديد من المجالات الإنتاجية والتنموية، وأوصى بضرورة مواصلة الإصلاحات الاقتصادية وتحقيق الاندماج الاقتصادي».
كما أشار إلى أن البلدين الشقيقين يتوفران على ثروات وموارد طبيعية متنوعة وقدرات اقتصادية مهمة تتيح إمكانيات هائلة للتعاون والتكامل الاقتصادي، الذي سيسهم في الارتقاء بالاقتصادات الوطنية بالمنطقة، وقال في هذا الصدد إن اللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة توقعت «أن التكامل الاقتصادي بين البلدين الشقيقين سيمكن، في إطار الاندماج الاقتصادي المغاربي، من ربح ما يعادل 5% من ناتجهما الداخلي الخام ومضاعفة المبادلات في ما بينهما وتعزيز الإقلاع الاقتصادي والتنموي بالمنطقة ككل، كما سيمكن من اقتصاد تكلفة استمرار الحواجز بين الجزائر والمغرب التي حددها الخبراء الاقتصاديون في 10 ملايير دولار سنويا، وإزالة الخسارة التي يتكبدها الناتج الداخلي الخام المحددة في ما بين 2 و3%».
هذا، ودعا الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الأخير إلى استحضار الحماس والتوهج الذي خاض به الشعبان الشقيقان معا معركة التحرير ضد الاستعمار والتحلي بالشجاعة اللازمة للاستفادة من أخطاء الماضي و»علينا، كبلدين رائدين وشعبين شقيقين، أن نخوض معا معركة التحديث والتنمية من أجل بناء مستقبل أفضل لبنات وأبناء المنطقة».
بعد ذلك، استعرض القيادي الاتحادي رئيس اللجنة البرلمانية الموضوعاتية حول المغرب العربي عبد الواحد الراضي، جوانب من التاريخ المشترك بين الشعبين المغربي والجزائري وفترات النضال الموسومة بأواصر الأخوة والتضامن والتعاون، مؤكدا على أن الوقوف عند هذه المحطات يتوخى زرع التفاؤل والأمل، لاسيما لدى الأجيال الصاعدة، في مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين والعلاقات المغاربية…
أما المناضل الحقوقي مبارك بودرقة، فوقف من جانبه عند أبرز المراحل التاريخية التي تؤكد متانة العلاقة المغربية -الجزائرية، مستعرضا نماذج لمواقف مغربية من الكفاح المسلح للشعب الجزائري وبعض الإشارات حول علاقة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي مع الثورة الجزائرية والمواقف التي ساهم فيها مع الإخوة الجزائريين حتى بعد استقلال بلادهم، بحيث كانوا يستشيرونه في الكثير من قضاياهم…
وعرف المهرجان الوطني المنظم بوجدة من طرف المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية باقتراح من القائد الاتحادي المجاهد عبد الرحمن اليوسفي تحت شعار «المغرب والجزائر، قاطرة مستقبل البناء المغاربي»، حضورا مكثفا لممثلي مختلف الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والحقوقية، إلى جانب أعضاء المكتب السياسي وأعضاء المجلس الوطني للحزب وعدد كبير من الاتحاديات والاتحاديين الذين قدموا من بعض المدن المغربية والذين غصت بهم جنبات مسرح محمد السادس، واضطر عدد كبير منهم إلى متابعة اللقاء من خارج القاعة بعد أن تم نصب شاشة كبرى في بهو المسرح.